mardi 15 août 2017

عذرا صديقي

عذرا صديقي

لعلي اخجل من نفسي كلما تذكرتك
وكم مرة تذكرتك
ذات ليلة من ليال فصل الشتاء الطويلة
طول سهدها
وطول ظلامها
وطول بردها
أتاني طيفك
وطرق علي الباب
وتسرب داخل غرفتي
وجلس بجانبي
على سريري
بل جلس داخل صدري
على قلبي
وفاجأني بنظراته الحادة
الموجعة
المؤلمة
وكأني به يصيح في وجهي
لم نسيتني؟
لم جعلت ذكرياتنا فى سلة المهملات؟
فأجبت على عجل
وعلى وجل
من قال لك أني نسيتك؟
وأني وضعت الذكريات في سلة المهملات؟
فحملق في بعينيه الجاحظتين وتهرني بقوة
فصرخت
آى! إنك تؤلمني يا صديقي
لطفا بي
ألا ترى أنك تظلمني بتصرفك هذا؟
رد علي لم لا تتكلم؟
أرى صمتك أعتى من تعنيفك لي
قل لي حاجة
أى حاجة!
***
نظرت من خلال زجاج النافذة 
لعلي أقرأ في صفحة السماء
بشائر الفجر
فتنجو شهرزاد من بطش شهريار
لكن الغيوم الماطرة غطت السماء كل السماء
لم تترك منها ولو ثقبا واحدا ليطل منه شعاع الفجر
فأتنفس الصعداء
وأرتاح قليلا
وأنام قليلا
***
قبضة يد صديقي الحديدية لا تعطيني أملا
لا في بزوغ الفجر
ولا في غمضة جفن
قلت له
لم أعهدك بهذه القسوة أيام كنا
صديقين رفيقين
خلال السنوات الست التى قضيناها جميعا
كانت من أحلى أيام عمرنا
كانت من أسعد أيام شبابنا
كنا لا نفترق ليل نهار
هل تذكر يا صديقي كم ليلة قضيناها في سمر
حتى الصباح
لا نشعرلا بملل ولا بعياء
ولا بحاجة إلى النوم
ثم ننطلق كوعلين إلى مطعم المعهد
لنتناول طعام الإفطار
أنا آخذ اللبن ممزوجا بشئ من القهوة
وقطعة من الخبز مدهونة بالسمن والمربى
وأنت ما شاء الله
كنت تكتفي بكأس من القهوة بدون سكر
وكنت تشربها جريعات صغيرة
وكأنك تخاف أن يفرغ الكوب من شرابه
وكأن جريعة القهوة لا تنزل إلى بطنك
بل تصعد إلى رأسك
لتنعش دماغك
لتوقظ أعصابك
كنت وقتها تضع رأسك داخل صفحة يدك اليسرى
وبين الجريعة والأخرى

كنت تمسح بيدك اليمنى على الكوب برفق شديد
كأنك تمسح على ظهر قطك الأليف
وعندما يرن الجرس إيذانا بالدخول إلى مدرج المحاضرات
كنت ترتبك كثيرا
لأنك لا تريد أن تفارق الكوب
بل القهوة التى في الكوب
كانت بالنسبة إليك إكسير الحياة
***
هل تذكر يا صديقي الليالي الطوال التى كنا نسهر
مع أصدقائنا الآخرين
مشمرين على ساعد الجد
نعد ونستعد للإمتحانات
كانت لنا إرادة فولاذية
كان لنا طموح لا يلين
كانت لنا رغبة في النجاح
بل في النجاح بامتياز
كان يحلو لك أن تغني وتشذو وكأنك البلبل الصداح
وتحكم الإيقاع بيدك اليسرى على طاولة الرسم الصناعي
وتقول لي
هيا يا حليم المعهد أسمعنا من شذوك
ونخوض جماعة مع باقي الأصدقاء
في كشكول الأغاني
مضناك جفاه مرقده
الجندول
يا زهرة في خيالي
أفديه إن حفظ الهوى أو ضيع
لو كنت يوم أنساك
لحن الوفى
وصديقنا حسن الذى كان لا يطرب إلا للسماع المغربي
يحتج وينادى
ما لنا والشرق؟
ألا نغنى حسين السلاوي, طنجة يا عالية
وبو شعيب البيضاوي, أنا فين آهيا وين
والفيتح, هاو ما لولو
وصديقنا نور الذى كان لايطرب إلا
للفلكلور المغربي
غناوه وجلاله وعيساوه
والحوزي والمرساوي
وأقلال والقدره
والأهازيج الأطلسيه
والطقطوقة الجبليه
***
مرت السنوات الست التى قضيناها جميعا في الدراسات الهندسية
ولم يبق منها إلا الشهرين الأخيرين
وكنت مرشحا للحصول على شهادة مهندس بدرجة ممتاز جدا
"وإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون"
صدق الله العظيم
هو الله الذى قضى أن ينتهى أجلك قبل تخرجك من معهد الهندسة
ولا اعتراض على قضاء الله وقدره
فكانت الصدمة لكل طلبة المعهد
ولكل أساتذة المعهد
ولمديره العام
إذ كنت محبوبا لذى الجميع
كنت طالبا في غاية الجد والإجتهاد
كنت مثلا يقتدى به في الأخلاق الحميدة
***
يومها كنت أنظر إلى أبيك وهو غارق في صمت رهيب
كان عاجزا على الوقوف فتهاوى إلى الأرض كجذع نخلة خاوية
وانهار في بكاء شديد وخفنا عليه أن يصاب بمكروه
كانت أمك مغمى عليها يحيط بها بعض قريباتها
وتحرك الركب قاصدا البلدة التى رأيت فيها النور
لتحملك أرضها في بطنها إلى اليوم الموعود
***
جئتني هذه الليلة يا صديقي لتعاتبني
أو تظن أنني نسيتك؟
وهل يمكن للصديق أن ينسى صديقه
الذى رافقه ست سنوات كلها وكأنها العمر كله
أنا أحملك يا صديقي في كياني
في وجداني
أنت لا تفارقني
ولن تفارقني
وهل يفارق الظل صاحبه
يخيل إلي أحيانا أنك أنت المهندس
الذى يحرك عقلي ولساني
***
أود أن نلتقي في رضوان الله عز وجل إن شاء
فنتحاور حول رباط الصداقة والمحبة الذى لا ينفصم
فلا تقسو علي يا صديقي
***
المحبة الحقة لا تصدأ مثل الإبريز الحر الصافي
هذه بطاقة محبة صادقة
إلى روح أحد أعز أصدقائي
عرفته أول مرة منذ خمسين سنة خلت
وفرقتنا أقدار الله العلى القدير بعد مرور ست سنوات
كنا ندرس معا خلالها للحصول على شهادة الهندسة في الفن المدني
تغمده الله بعفوه ورحمته
بقلم حامد البشير
15/06/09

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire