mercredi 23 août 2017

لا بد لليل أن ينجلي

لا بد لليل أن ينجلى

 إلى الشهداء الذين قدموا أرواحهم الزكية
فداء لكرامة الشعوب وحريتها
أهدى هذا العمل المتواضع الذى لن يرقى إلى تضحيتهم.
أرجوا الله العلي القدير أن يسكنهم فسيح جناته.
000
 أنا أعانى من أمراض تراكمت مع الأيام حتى أصبحت مزمنة
وشكلت حلفا تارة يهاجمني جبهة واحدة
وتارة يحلو له أن يتناوب
تشاركه فى ذلك بعض الأمراض العارضة العابرة
مثل الفرق المرتزقة التى تقوم ببعض الضربات 
وتغادر الميدان
أريد أن أحطم القفص الذى يمنع أفكاري من الإنعتاق 
والتحليق فى عوالم النور
لكن الآلام والأوجاع كانت دائما بالمرصاد
كانت تقمع أفكاري وتقهرها 
وتدفعها القهقرى داخل هذا القفص اللعين
الذى أكرهه 
رغم كل ما يميزه من رونق وزخرف ولمعان
أفكاري لا تنخدع بمفاتن الدنيا وألاعيب أهل الدنيا
أفكاري تبحث عن الحقيقة وتعشقها وتهيم فى هواها
لكن على رأي أمير الشعراء أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمنى""" ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
قدرأفكاري أن تبقى حبيسة داخل القفص الرهيب
لكن لا يعنى هذا أنها تستسلم وتنهزم 
وتتبدد وتصبح أثرا بعد عين
وإلا لأصبح القفص عبارة عن متحف 
للأفكار الأثرية التى لم تتحول إلى أعمال
لابد للأفكار أن تزرع وتنبث وتنمو ويشتد ساقها
ثم تتفرع وتبسط أوراقها وتثمر وتنضج ثمارها
لكى تنتشر في الآفاق ويحللها النقاد ويتدارسها الطلاب
ما أن يخفف الألم وطأته حتى تتجمع أفكاري المبعثرة 
ملتقطة أنفاسها من جديد
مستمدة قوتها من تلك الإرادة الصلبة 
التى ترافقني منذ ولادتي
تماما مثل الأمراض التى هى الأخرى ترافقني 
منذ الصرخة الأولى عندما غادرت رحم أمي
وقصة ولادتي هذه تحتاج هى الأخرى إلى تفصيل 
لا أريد إدماجه فى هذا المقال
تفاديا للإطالة المملة التى قد يسأمها القارئ
وقد تنئا به بعيدا عن صلب الموضوع
أنا الآن أكتب رغم الآلام التى تحاول العبث بأفكاري
أنا الآن أدون رغم الأوجاع التى تحاول قطع التواصل 
مع محيطي الثقافي والفكري
أنا الآن أشعر بتبعثر أفكاري 
لأن الألم يتجول داخل كياني 
ويحاول التشويش على وعيي ووجداني
ويتمترس فى كل مفاصلي 
ويتدفق داخل كل شراييني وأعصابي
ولا أخفى أننى مرارا وتكرارا 
كنت أجلس على المقعد الدوار أمام شاشة الحاسوب
واضعا لوحة التحكم بين يدي بكل رفق وحنان
تاركا أصابعي تلامس حروفها وأرقامها ورموزها
لعلها تنحت مفردات 
وتبنى عبارات 
لتخلد بعضا من هموم الناس وآمالهم
فتنفخ روحا فى صفحة الكترونية عذراء
وتحولها إلى فيروز فاتنة حسناء 
ترقص على نغمات سحرية
تنبعث من بين أمواج البحر اللجينية 
تحت ضوء البدر الباسم.
لقد استرخت الآلام 
وهوت الأوجاع 
تحت كلكل سبات عميق
فنهضت أفكاري منتهزة الفرصة 
لتعبر عن مكنوناتي المتزاحمة داخل كياني
غير آبهة بما قد تعانيه
 عندما ينفجر من جديد بركان الأمراض
هيا إذن يا أفكاري...
إياك أن تضيعي الفرصة
فالحياة ملئ بأحداث جسام 
تتسارع على مر الأيام
بل على دوران عقارب الساعة الثلاث
أحداث غيرت وجه العالم 
من شرقه إلى غربه
ومن شماله إلى جنوبه
أحداث حيرت خبراء المستقبليات 
فألقوا أقلامهم لأن البوصلة أصبحت تدور وتدور
لا تستقر على حال 
ولا تستطيع أن تختار لها وجهة
فأصبح السؤال الأساس الذى يطرح نفسه بإلحاح هو:
ما هو مستقبل البشرية على سطح هذا الكوكب الصغير؟
بعدما فشل النظام العالمي على كل الأصعدة:
فشل فى وضع حد لتلوث البيئة
فشل فى وضع حد للفقر والعوز
فشل فى وضع حد للظلم والعنف
فشل فى وضع حد للفتن والمحن
وربما الأحرى أن تعاد صياغة السؤال كالتالي:
ما هو المجال الذى حقق فيه هذا النظام 
نجاحا يستحق الذكر والتنويه؟
إن هناك ظاهرة أصبحت جلية 
لا تحتاج إلى دليل أو إثبات
ظاهرة صحوة الشعوب 
التى بدأت تتلمس طريقها من جديد
بعدما فقدت ثقتها من كل الأيدلوجيات وأخواتها
وملت اللسان المعسول 
والقلم المأجور
صحوة لا تستثنى بقعة من المعمور دون غيرها
حتى لا يعتقد أن هذه البقعة هى الإستثناء الذى يؤكد القاعدة
فثورة الشعوب انبثقت من مشكاة واحدة
وانبجست من عين واحدة
لها نفس المنطلقات, 
ولها أيضا نفس الغايات
تريد التغييرالمعرف بالألف واللام
لا أشباه التغيير التى لاكتها مرارا وتكرارا
ثم كان حتما أن تلفظها لأنها جيف تضر ولا تنفع
تريد الخروج من دوامة الأكاذيب والأضاليل
وهى معصوبة الأعين كحمار الطاحون
تريد تغييرا جوهريا حقيقيا 
تتحسس فيه العيون بشائر النور
وتتلمس فيه القلوب معالم الخير...
 000
توقفت أفكاري عن البوح والإنسياب
رجعت إلى القفص الرهيب 
وتجمدت كما يتجمد الدب الأبيض على الصقيع
أدركت أن الغول قد استيقظ من نومه العميق
كالبركان ينفث حممه داخل كياني
يزلزل فرائصي 
ويقطع أوصالي
أشعر بشاشة الحاسوب تبتعد عني 
وترتفع إلى سقف بيتي
وتهوى فجأة على أم رأسي 
الذى يؤزه الألم أزا
ربي رحماك...يا مغيث
أدعوك بما دعا به عبدك أيوب
وأنت أرحم الراحمين.
 حامد البشير المكي
 ماي 2011

  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire