vendredi 18 août 2017

الديك والحمار

الديك والحمار

قصة قصيرة من نسج الخيال
لكنها مرتبطة بالواقع المر الأليم
وهى ظاهرة انتشرت كالنار فى الهشيم
يتخبط فيها بعض الشباب 
وحتى الكهول بل والشيوخ
فتجد الشاب الذى بدأ حياته على سواء السبيل
حصل على مكانة طيبة فى المجتمع
حيث درس وتكون وتأهل
واتخذ رفيقة لرافقه على درب الحياة
لكنه انحرف عن الجادة
واتبع هواه ورفقاء السوء
والنتيجة الحتمية كانت الهاوية
وإنها سنة الله فى خلقه
" ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا"
 000
 قالت لي الخمائل
نحن معك فى خصام
فلا تأتينا منذ اليوم
وقالت لي الجداول
نحن على اتفاق مع الخمائل
فلا ترتوى من منابعنا من الآن
وقالت لي الطيور
خاصمتك الخمائل والجداول
أو تظن أننا سنختلف معها؟
فلن نسمعك أنغامنا منذ هذا الصباح
وقالت لي الرياح
نحن والخمائل
والطيور والجداول
دائما فى انسجام
فلن ننقل إليك الأخبار بدء من هذه الليلة
رفعت رأسي إلى السماء
لأستغيث بها
فسحبت شمسها
ونشرت رداءها الأسود
وقالت للنجوم
لا تهتمي بهذا الفتى إنه مطرود
فأدارت النجوم وجهها
وغابت بعيدا عن ناظري
فقلت فى نفسي
لماذا هذه المقاطعة الرهيبة
لماذا...لماذا؟
أطل علي هدهد من عشه
وألقى بورقة بيضاء على الأرض
وقال لي: إقرأ
استغربت أن يخاطبني هدهد بلسان عربي مبين
فصاح فى وجهي: ألم يكلفني سليمان عليه السلام
بتسليم كتاب إلى بلقيس ملكة سبأ؟
هل تعرفها؟
لقد كانت ملكة عظيمة على قومها
وكان لها مجلس شورى 
فكانت لا تتخذ قرارا إلا بعد استشارته
لكنها تخلت عن الملك 
عندما أسلمت على يد سليمان عليه السلام
وأصبحت زوجا له حسب بعض الروايات
ثم توجه إلي الهدهد مخاطبا: إقرأ الورقة
وستفهم لم الكل اتفق على مقاطعتك
إلا أنا فقد عينتني الهيأة لإخبارك
بأنك فى حالة الطرد
حتى تستغفر لخطيئتك
قرأت الورقة وإذا مكتوب فيها بالخط الأحمر
لقد ارتكبت جرما عظيما فى حق المحبة
ياإلهي أنا المحب الولهان؟
منذ أن أدركت قيمة الحب والمحبة
أتهم أني أخللت بالوفاء
وخنت العهد
لا...لا يمكن ربما يتعلق الأمر بفتى آخر
فشرعت فى التو أراجع نفسي وأحاسبها
يا نفس هل أخطأت فى حق أمي أو أبي؟
أجابتني نفسي مضطربة: لا يمكن وأنت تعلم جيدا
أني أكن لهما فائق المحبة والإحترام
وإخوتي وأقربائي؟
فاستطردت نفسي:
 طبعا لا...لا يجوز هذا فى حق الإخوة
ولا فى حق الأقرباء
ونحو الجيران والإخوان؟
لا أنا لم أخطئ فى حقهم
فأنا كما قلت لك دائما وفية بالعهد
أردت أن أسأل الهدهد لعله يكون على إطلاع أكثر
لكن الهدهد غادر عشه إلى جهة أخرى
فقلت يا لتعاستي ما المخرج؟
فأنا فى حيرة من أمري؟
لمحت فراشة بنفسجية الجناحين ترفرف حولي
ثم حطت على أذني اليمنى
وهمست بصوت ضعيف خافت
إني أراك حزينا يا فتى
هل رسبت فى إمتحان؟
أم فقدت حبيبا؟
أم خسرت فى السوق المالية؟
أم ضيعت محفظتك؟
قلت لها متبرما: وبماذا يفيدك حزني؟
وبماذا يعنيك إن رسبت أو فقدت أو ضيعت؟
فأنا ولوعتاه ضيعت كل شئ
ألم يصلك الخبر أن الكل خاصمني؟
لقد خاصمتني الخمائل والجداول
وحتى الطيور والرياح
وأما السماء فهى غضبى
نشرت رداءها الأسود
وأمرت الشمس ألا تكلمني
وتركتني الشمس فى هذه الظلمة لا أدرى أين أتوجه
أى ظلمة يا فتى؟
نحن فى ضحى الصباح
والموسم فصل الربيع
ولولا فصل الربيع لما كان لي وجود أمامك
ألا ترى هذه الأزهار الزاهية؟
ألا تسمع تغريد هذه الطيور الجميلة؟
ألا تلامس وجهك هذه الأنسام اللطيفة؟
فق من أوهامك يا فتى
أطرد هواجيسك وارجع لرشدك
لامست الفراشة خذي
ووضعت قبلة عليه وحلقت فى الأجواء وهى تبتسم
فقلت فى نفسي: قبلة صغيرة من فم فراشة
هذا يبعث الأمل ولو ضئيلا
وقتها نظرت إلى السماء معاتبا
لم نشرت جلبابك الأسود؟
لم أمرت الشمس أن تغيب عني؟
لم وشوشت للجداول أن تخاصمني؟
لم وسوست للخمائل أن تغضب علي؟
لم قلت للطيور أن تغادرني؟
لقد أدخلت الحزن فى قلبي
ألا تشعرى بالذنب؟
فصاحت فى وجهي السماء: 
أنت الذى عليك أن تصلح غلطتك
ألا تريد أن تعترف بذنبك؟
فما ذنب المسكينة التى زلزلت كيانها
وخلخلت قلبها
وروعت صوابها
أتريد أن تدفع بها إلى الإنتحار البطيئ
ثم إنك ما تزال تتعامى وتتجاهل؟
أتقصدين...نعم أقصد...و من تكون إلا هى
ألم تكن بالأمس القريب الحبيب العاشق
الذى كان يهيم فى حبها حتى الثمالة
ألست أنت الذى كان يداعب شعرها
ويفكك ظفائرها ويغنى
"بموجة عبير والشعر الحرير عالخذوذ يهفهف"
ألست أنت الذى كان يزين وجهها
ويهذب رموش عينيها
ويضع أحمر الشفاه على فمها
ويعطر نحرها
ويضع عقد اللؤلؤ على صدرها
ويركع على قدميها ويقول يصوت هادئ رخم
" الصبا والجمال ملك يديك --- أى تاج أعز من تاجيك"
تركتها وحيدة تائهة حيرانة
وانخرطت فى سلك السكارى والمعربدين
تبيت الليالى من حانة إلى أخرى
ومن نادى إلى آخر
(مع المومسات و(الراخصات
استبدلت الذى هو أدنى بالذى هو خير
وتريد مني أن أرضى عنك
أغرب عن وجهي
يا من يمشى مكبا على وجهه
يا من أخلد إلى الأرض
يا من دس نفسه وما يزال يدسها فى المستنقعات
أصابني دوار وخارت قدماي وسقطت على الأرض
أدركت هول ما أصابني
فصحت: أينك يا هدهد... أينك يا فراشة؟
أتاني ديك وقال لي: لا تحزن هيا بنا إلى الحان
ففيه ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين
ثم أردفه قرد وقال هو الآخر: ومن ثم ندخل النادى
ففيه ما يؤنس القلب ويسر الجوارح
ثم اعترضني خنزير وقال: سنبيت على الراح حتى الصباح
وعلى باب النادى نبح فى وجهي كلب الحراسة
وصاح: هل لك رخصة الدخول؟
وهل أصبح لدخول الأندية ترخيص؟
عقب بنباحه المخيف: لا...ليس كل الأندية
فالأندية مرتبة حسب النجوم
وهذا النادى سبع نجوم
فلا يدخله إلا المتميزون فى العربدة
بصبص لي حمار واقف على مسافة قريبة من النادى
فاقتربت منه ظنا أنه سيجد لي سبيلا للدخول
همس الحمار فى أذنى: ابتعد عن هذا المكان يا فتى
قلت له: وما سر وقوفك أمام هذا النادى؟
فأجابني الحمار: لقد كنت مثلك
فتى وسيما جميلا فى زهرة العمر
وكانت لي حبيبة تحبني وأحبها
وكانت لي سمعة طيبة فى البلد
وكان لي عمل محترم
ثم ذات يوم انخرطت فى نادى الخلان
دخلت الحان الأول فخرجت منه ديكا منتفخ الأوداج
أزهو وأغنى وأطرب الخلان
ثم ذات يوم خرجت من أحد الأندية قردا
أتقن الرقص وأسعد الغواني
ثم توالت الليالى 
وذات ليلة خرجت من أحد الأندية على هيأة خنزير
فبدأ الأقران يبتعدون عني وأصبحت أطوف بالمزابل
فقررت أن أنفصل عن القاذورات
ومنذ ذلك الحين أصبحت كما ترى
على هيأة حمار
وقبل أن أسترجع صورتي الآدمية
سأنتقل تدريجيا إلى هيأة بغل
ثم أخيراإلى هيأة فرس
هذا إلم ينته أجلي قبل ذلك
فقلت له مستغربا: وهل لك حبيبة تنتظرك؟
فأجاب الحمارمطأطأ رأسه: أتظن أن هناك فى الوجود
حبيبة ترضى بمعاشرة حمار؟
حامد البشير
غشت 2009

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire