dimanche 20 août 2017

الأخلاق المفقودة

الأخلاق المفقودة

بسم الله الرحمان الرحيم
وبه نستعين
الأخلاق المفقودة
عند قوله تعالى
" الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس"
سورة الحج الآية 75
نتساءل: ما هى الصفات والخصائص التى بثها الله سبحانه وتعالى
فى هذه الصفوة البشرية من الأخيار لتكون قادرة على تحمل الرسالة؟
القرءان أولا ثم السنة الشريفة ثانيا يبينان لنا تلك الصفات والخصائص
التى تحلى بها هؤلاء الرجال الذين غيروا مسار التاريخ
بمواقفهم الهائلة والرائعة أمام الجبابرة والطواغيت
وذلك لإخراج البشرية من الظلمات الى النور.
ومن أهم هذه الصفات والخصائص:
الصدق
والأمانة
والصبر
وهو الذى تشير اليه الآية الكريمة 
فى حق رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم:
" وإنك لعلى خلق عظيم"
كل الأنبياء والرسل الذين سبقوه لم يوفقوا فى إقناع أقوامهم
إلا القلة القليلة التى تكون فى بعض الحالات صفرا
كما جاء فى الأثر:" يبعث النبي يوم القيامة وما معه رجل واحد"
ومحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم 
استطاع بإذن ربه العلي القدير
أن يبنى الفرد المسلم أروع بناء 
من حيث صفاء العقيدة وحسن الخلق
كما استطاع بتوفيق من الله 
أن يخرج أمة الخيرية
التى تأمر بالمعروف 
وتنهى عن المنكر 
وتؤمن بالله.
هذه الأمة انتشرت عبر الآفاق فى وقت وجيز 
حير علماء التاريخ والحضارات والأديان.
هذه الأمة استطاعت بمشيئة الله الواحد الأحد 
أن تغرس كلمة التوحيد فى قلوب الناس
الذين أصبحوا يدخلون فى دين الله أفواجا.
هذه الأمة التى صنعت عمالقة عظام 
كتبوا بدمائهم الزكية أحداثا رائعة
لا مثيل لها ولا شبيه عند الملاحدة والكفار.
فلماذا تغيرت الحال؟
لماذا هوت هذه الأمة الى الحضيض؟
لماذا أصبحت أمة المستضعفين؟
أمة الغثاء...أمة القصعة...؟
غاب عنها الصدق...إلا من رحم ربي وهو قليل غريب!
رحلت عنها الأمانة...الا من رحم ربي وهو قليل غريب...!
تصدع فيها الصبر...الا من رحم ربي وهو قليل غريب...!
لماذا أصبحت أمة الأمية والجهل, 
بعدما كانت أمة القراءة والفهم؟
هذه الأمة التى أتت بفتوحات علمية 
لم يسجل التاريخ أمة مثلها
قدمت نفس الكم والنوع 
فى مجال العلوم والصناعات,
أو فى مجال الفنون والآداب والثقافات.
هناك من علماء هذه الأمة ومفكريها, 
 سلفا وخلفا, من حدد الأسباب, مثل:
أن الفتن هى التى عملت على قصم ظهر البعير,
تلك الفتن التى بدأت بالفتنة الكبرى, حسب رأى البعض,
وحسب رأى البعض الآخر, 
أم الفتن بدأت مع الإختلاف الذى دب بين الصحابة
بين المهاجرين والأنصار, عند لقاءهم فى السقيفة,
ولما يدفن الرسول بعد, حسب إحدى الروايات.
ومن بين المفكرين من شبه الأمة بالجواد 
الذى ما إن يكبو حتى ينهض من كبوته,
فتحدث عن العواصم من القواصم, 
وأن الله سبحانه وتعالى, بعدما يبتلى هذه الأمة بقاصمة,
يرحمها بعاصمة تجمع شملها من جديد, 
على يد رجل أو رجال يكونون على نهج النبوة.
وهناك من رأى أن السبب يكمن فى الإبتعاد عن السنن الإلهية,
فيكون العقاب على قدر الإبتعاد,
ويكون الثواب على قدر الإقتراب من النهج القويم.
ونحن فى هذه العجالة لا نريد أن نعالج القضية فى العمق,
ونتناولها بالتنقيب والتحليل والنقد والإستنتاج 
وتقديم الوصفات السحرية
التى تمكن الأمة من النهوض من جديد.
فهى مجرد تأملات فى الحال والمآل 
نعبر بها فى هذه العجالة المتواضعة
عما يجيش فى قلبنا من لسعة الحال المتدنية التى نعيشها,
حال الوهن الذى نوجد فيه 
ونحن فى الدرك الأسفل من بين الأمم,
حال الإستضعاف المشين 
حيث أصبحنا أمة القصعة التى أخبرنا عنها الرسول الأكرم.
حال الغربة التى أصبح يعيشها 
ذاك الذى ما زال يمتلك مسكة من إيمان,
وبقية من عزة, ونتفا من مكارم الأخلاق.
ورب قارئ هذه السطور يصفك بالمتشائم, 
الذى لا يرى من حوله إلا الظلمة الدامسة.
لا!!! ليست المسألة محصورة بين تصورين اثنين: 
إما تفاؤل وإما تشاؤم!
ما علينا إلا أن نتحسس واقعنا المعاصر 
بشفافية وموضوعية ونزاهة,
بل وكذلك بمراجعة ومساءلة ومحاسبة.
ويحضرني هنا الكتاب الذى ألفه العالم الجليل 
الدكتور عبد الله الدراز,
بعنوان " دستور أخلاق القرءان"
والذى هو فى الأصل أطروحة جامعية 
نال بها شهادة الدكتوراة بامتياز,
بجامعة السربون,
 أمام لجنة مكونة من كبار المستشرقين آنذاك.
وهذا الكتاب يبرز البعد الأخلاقي والقيمي 
الذى ينطوى عليه القرءان,
هذا البعد الذى, ما إن يدخل الإنسان فى دين الله, 
ويؤمن به حق الإيمان,
حتى تتساقط رذائله من نفسه 
كما تتساقط أوراق الخريف,
وتنبث أوراقا خضرة نضرة زكية, 
وتتفتق فى نفسه أخلاق كريمة نبيلة طاهرة,
تصهره إنسانا آخر لا صلة له مع البيئة الجاهلية,
فينطلق فى الآفاق يبني ويشيد ما ينفع الناس وما يرضى إله الناس.
والفكرة الأساس التى يتمحور حولها الكتاب هى:
" لا مسؤولية بدون إلزام, ولا إلزام بدون أخلاق, ولا أخلاق بدون عقيدة"
فأين نحن من هذا كله؟
أين هى الأخلاق التى أشار إليها الشاعر:
انما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
لقد انتشرت الرذائل بين الناس كالنار فى الهشيم,
لقد انقلبت الموازين فأصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا.
الأخلاق مثل الصدق والأمانة والصبر أصبحت أثرا بعد عين,
إلا فى بعض القلوب المفعمة بالإيمان,
المستمسكة بالعروة الوثقى لا انفصام لها.
وليس من باب التشاؤم أن نقول 
أن الأخلاق الحميدة قد غابت عن مسرح الحياة,
وليس من المبالغة أن نقول 
أن الزمان طواها وأصبحت فى سجل النسيان,
ولا يمكن لهذه الأمة أن تستعيد عافيتها 
إلا بإعادة تشكيل عقل الفرد المسلم,
واستعادة الأخلاق المفقودة 
إلى قلبه وضميره ووجدانه.
حامد البشير المكي
 مارس 2011


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire