samedi 19 août 2017

بناء الإنسان الصالح

بناء الإنسان الصالح

موضوع بناء الإنسان الصالح,
موضوع قديم جديد,
موضوع لا يبلى ولا يخلق,
لأنه موضوع يتعلق بالإنسان خلقا وخلقا,
لأنه يحاول أن يحيط بالإنسان من كل جوانبه وأبعاده,
ذاتا ونفسا وروحا وأصلا ووظيفة ومصيرا,
يحاول أن يفهمه فردا وجماعة,
أن يغوص فى أعماقه,
قبل ولادته وبعدها,
وقبل موته وبعدها.
هذا الموضوع السهل الممتنع,
اهتم به المربون,
على اختلاف مللهم ونحلهم وألسنتهم وألوانهم,
وعلى رأس هؤلاء, الأنبياء والرسل
المكلفون بتبليغ رسالة رب العالمين,
رب العزة سبحانه وتعالى,
إلى أقوام بعينها, أو إلى الناس كافة.
كما اهتم به وما يزال وسيبقى, 
من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وتناول الموضوع كذلك, 
مربون اتخذوا مناهج عقلية لا ترتكز على الوحى الإلهي,
فتارة يحالفهم بعض من الصواب, 
وأحيانا أخرى يسقطون فى الوحل الضار.
هذا الموضوع رافق الإنسان منذ أن حل بهذه الأرض:
(وقلنا اهبطوا, بعضكم لبعض عدو, ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين) 
(سورة البقرة 36)
ولا يزال على رأس قائمة الإهتمام نظرا لخطورته القصوى,
وسيبقى دائما مفتوحا على مصراعيه,
ما دام الإنسان حيا يرزق,
وإلى أن تقوم الساعة,
يبقى مادة للتحليل والتركيب, والتفكيك والبناء,
والقبول والرفض, والإبرام والنقض.
فموضوع بناء الإنسان الصالح قد يبدو بسيطا لأول وهلة,
ولكنه مركب ومعقد.
مركب من حيث مكوناته النفسية والإجتماعية والإقتصادية,
وكذلك القانونية والسياسية والثقافية والحضارية.
ومعقد من حيث كثرة العلوم التى تهتم به جاعلة منه حقلا لتجاربها,
وميدانا لتطبيقاتها,
مثل علم الأحياء, وعلم النفس, وعلم الإجتماع,
وعلوم التربية, والإقتصاد, والسياسة, والتشريع,
واللائحة ما زالت طويلة.
ومما يزيد الموضوع صعوبة, من حيث الشساعة والعمق,
الجسور التى تربط هذه العلوم لتتواصل فيما بينها,
فتجعل من الكل نسقا متداخلا يعضه فى البعض الآخر,
ومتشابكا ولوجا وخروجا,
فتأتلف مكونات هذا النسق طورا وتختلف أطوارا أخرى.
ومما يزيد المسألة صعوبة كذلك, 
أنه محل صراع بين أهل الحق وأهل الباطل.
ونقصد بأهل الحق, العلماء العاملين الربانيين,
القابضين على الجمر, الذين لايخافون فى الله لومة لائم,
ولا يضرهم من خالفهم إلى يوم الدين,
ولا يزيغون عن المحجة البيضاء 
التى وصفها الرسول الكريم بأن (ليلها كنهارها,
لايزيغ عنها إلا هالك).
هؤلاء هم أهل الحق, وليس غيرهم من أصحاب الأهواء,
والحق أبلج, لايتجزأ ولا يتعدد.
أما أهل الأهواء, قديما وحديثا, 
حاولوا وما زالوا يحاولون عبثا,
أن يصنعوا الإنسان الصالح, 
إما على أساس الكلم الذى حرفوه عن مواضعه,
ليشتروا به ثمنا قليلا,
وإما على أساس معتقدات من وحي الخرافات والأساطير,
تجعل من الله الواحد الصمد, 
آلهة عدة لن تخلق ذبابا واحدا ولو اجتمعت له,
وإما على أساس تصور فلسفي اتخذ الهوى إلها,
فادعى أن الكون محض صدفة, 
وأن الحياة محض صدفة كذلك,
وأن الإنسان هو ثمرة النشوء والإرتقاء, 
بينه وبين القردة نسبا,
وأن البقاء للأقوى, 
وأننا (نموت ونحيى وما يهلكنا إلا الدهر).
ولو حاولنا أن نجمع كل ما ألفه العلماء والباحثون 
والخبراء والمختصون فى هذا المجال,
من دراسات وأبحاث ورسالات وأطروحات,
وكل ما نظمته المؤسسات المتخصصة, 
المحلية منها والجهوية والقطرية والإقليمية والعالمية,
من مناظرات ومؤتمرات وندوات 
وتظاهرات وتحت مسميات أخرى,
لو جمعنا كل آثار هذه التظاهرات فى خزانة واحدة 
لتطلب الأمرتخصيص مدينة علمية شاسعة الأطراف,
قد تفوق شساعتها أكبر عاصمة فى العالم المعاصر بدون مبالغة.
إذا كان الأمر كذلك وهو على ما أعتقد كذلك,
فرب سائل يطرح سؤاله المشروع:
 لم تريد أنت أن تدلو بدلوك 
وقد أشبع السلف والخلف هذا الموضوع
بما فيه الكفاية وربما أكثر من الكفاية؟ 
الجواب كالتالي:
أولا لأن الموضوع مازال مفتوحا على مصراعيه 
كما قلت سلفا ولن يغلق أبدا,
ثانيا لأنه ما زال يحتاج إلى مزيد 
من الأبحاث العلمية على كل الصعد,
تحلبلا ونفدا وتطبيقا,
فمن طبيعة العمل البشري أن يشوبه النقص 
ويحتاج تبعا إلى مراجعته وإعادة النظر فيه.
والنفس البشرية لا يعلم كنهها إلا بارؤها سبحانه وتعالى:
  (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتفواها )
ثالثا أعتقد أن كل إنسان بالغ عاقل له دور ما فى مجتمعه
مهما صغر هذا الدور أو كبر.
فعليه إذا أن يساهم فى تنمية هذا المجتمع,
التنمية السليمة الصحيحة,
التى بدونها لا يستطيع هذا المجتمع 
أن يبقى موجودا على وجه هذه الأرض,
بل ستدوسه حركة التاريخ التى لا ترحم.
والتصور الإسلامي للألوهية والإنسان والكون والحياة
يرتكز أساسا على ميثاق الأمانة التى أشفقت منها كل الكائنات
يقول الله سبحانه وتعالى:
 (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال
فأبين أن يحملنها وأشفقن منها
وحملها الإنسان
إنه كان ظلوما جهولا) 
والأمانة نوعان:
1* أمانة إستخلاف, قال الله تعالى:  
(وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة 
قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء 
ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك# قال إنى أعلم ما لا تعلمون) 
2* وأمانة إعمار, قال تعالى جده: 
(ولاتفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها )
وإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك على ما أعتقد
فيمكن تصنيف تحمل الأمانة إلى ثلاث دوائر:
1* دائرة البيت التى قال عنها الرسول الكريم:
 (كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته
فالرجل راع لأهله ومسؤول عن رعيته
والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)
2* دائرة المجتمع بكل فضاءاته من مسجد ومدرسة وسوق الخ
لترية الأجيال, وتفعيل التكافل الإجتماعي, 
وتطبيق الحسبة, وتنمية التبادل الإقتصادي,
والحكم بما أنزل الله, وإيجاد الحلول للنوازل, 
وغير ذلك مما يقوى الروابط الإجتماعية
3* دائرة الدولة بكل آلياتها 
لتحقيق الحرية والأمن والعدل والرخاء
لكل الطبقات الإجتماعية بدون تمييز, 
وحماية الملة والدين من أى كيد يهدد الأمن والإستقرار,
ويحول دون التقدم والإرتقاء.
 حامد البشير المكي
 اكتوبر 2010

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire