mercredi 25 mai 2016

إلى روح أبي


بسم الله الرمان الرحيم
وبه أستعين
أحببت أن يكون ما أبتدئ به مقالتي هذه
فى عمق قلبي هو بعض ما يجيش 
من حب وتقدير 
الفضل كل الفضل للرجل الذى كان له 
بعد الله سبحانه وتعالى 
في تنشئني وتربيتي وتكويني وتعليمي 
على تحمل مسؤولياتي ومساعدتي 
الأهلية والإجتماعية والمهنية
كان أبا حنونا 
ورفيقا نصوحا 
وشريكا صبورا 
جعلني صديقا لأصدقائه
وأدخل أصدقائي في دائرة صداقته 
وحول أبنائي رفقة آخر عمره
إلى روح أبي 
هي إطلالة على طفولته التى بدأت
مع بداية القرن العشرين الميلادي
طفولة كان قدرها 
أن تصادف دخول المغرب تحت سيطرة
القوة الإستعمارية الأجنبية 
حيث سبقت هذا الإحتلالمرحلة عصيبة بالنسبة للمغاربة
كانت شبيهة بالحرب الأهلية
تظافرت فيها الفتن التى شردت ودمرت
بين أيدى عملاء الإستعماروجعلت البلاد نهبا 
ففي هذه الظروف 
كانت ولادة أبي 
وكانت بداية حياته
حياة الرضيع الذى فقد أباه 
في إحدى المعارك ضد السطو الأجنبي

إلى روح أبي
تغمده الله برحمته 
ولدت يا أبي مع مطلع القرن العشرين الميلادي
يتيما من الأب 
اضطرت أمك أن تغادر قرية المعامرة 
التى عاشت فيها مع زوجها 
وبنتها مباركة وابنها العسولي
وكنت وقتها جنينا في رحمها لم تولد بعد
وإذا بزوجك يغادر القرية فجأة
لينخرط في مقاومة جيش الإحتلال 
فاضطرت أمك أن تغادر المعامرة
مخافة أن يمسها وأبناءها مكروه
فلجأت إلى مسقط رأسها قرية اولاد ناصر
حيث يوجد أهلها
نزلت في بيت أختها
وهناك وضعتك 
وساعدتها خالتك في إرضاعك
وبقيت أمك هناك في ضيافة أختها
إلى حين قررت النزوح عن القرية
متجهة الى مدينة مراكش
برفقة أخيها الأصغر ابراهيم
نزحت بدافع البحث عن أبيك
فأخبرتها عمتك بأن أباك المكي اعتقل 
في معركة سيدي أبي عثمان 
ونقل جريحا إلى سجن مصباح 
وبعد مدة قضاها في السجن 
استطاعت عمتك أن تفك أسره 
مقابل فدية سلمتها الى أعوان باشا المدينة آنذاك
ثم نقلته إلى مسقط رأسه بطلب منه
في ظروف صحية سيئة 
إثر الجروح التي تكبدها خلال المعركة 
وما أن وصل إلى قرية المعامرة 
حتى توفته المنية
وعلى ضوء هذا الواقع قررت أمك أن تستقر بمراكش
لعلها تجد عملا ما يساعدها على الكسب الحلال 
أعانتها عمتك على إيجاد بيت جد متواضع
وأرشدتها إلى سوق الغزالين 
فانطلقت تغزل وتبيع 
وتشتري الصوف لتغزل وتغزل 
لكى توفر ما يمكنها من العيش الكريم
رجع أخوها ابراهيم الى قريته بعد أن اطمأن على حالها 
كانت أختك مباركة تساعد أمها على الفزل وأعباء البيت
أدخلت أمك ابنها الأكبر إلى الكتاب ليتعلم القرءان الكريم
آملة أن يتابع دراسته إلى أعلى مستوى في العلوم الشرعية 
لكن قساوة العيش لم تترك لها خيارا لتلحقك بأخيك
لتتعلم أنت أيضا في الكتاب ثم المدرسة الشرعية
اضطرت أن تدفع بك داخل سوق العمل 
وأنت لم تتجاوز السادسة من عمرك
وقتها قالت لك أمك: 
"إني أرجو الله أن يحقق أملي في أخيك
فيتخرج فقيها ويرزقنا الله اليسر والسعة 
وأنا أريد منك أنت أن تساعدني على مادية الحياة" 
وهكذا يا أبتي دخلت منذ نعومة أظافرك إلى معترك الحياة
حيث انتقلت من حرفة إلى أخرى داخل السوق التقليدي
توفي أخوك رحمه الله وهو صغير السن 
وتزوجت أختك بقريب لأمك 
وبعدها توفيت أمك 
وقد أخبرتني
أنك أنت الذي حفرت قبرها ووضعتها فيه 
كنت تحدثني عن جدتي بفخر وإباء: 
"اسمع يا ولدي كانت جدتك
امرأة قروية شجاعة 
فقد هاجرت قريتها ليلا مشيا على الأقدام
مسافة خمسين كيلو برفقة اختي مباركة وأخي العسولي 
الذى لا يتعدى عمره ثلاث سنوات آنذاك
وكنت أنا ثالثهما لكن جنينا في بطن أمي 
جدتك يا ولدي كانت صامدة صبورة 
حيث كانت تغزل الصوف
ستة عشر ساعة في اليوم بدون كلل ولا ملل
وكانت كريمة إذ كانت تحسن
إلى الفقراء والمساكين رغم وضعها المادي المتدني
وكانت طموحة إذ كانت تتمنى أن يكون ابنها الأكبر
عالما فقيها يحظى بمركز مرموق في المدينة" 
أنت أيضا يا أبتي كنت شجاعا في تقلبك عبر الحرف والمهن
تبحث عن مهنة ترتاح إليها وتحبها 
وتبدع من خلالها وتعبر عن ذاتك 
فأصبحت بعد كد مضني واجتهاد طويل من أكبر العباقرة
في المعمار التقليدي العربي الإسلامي 
بل ومرجعا للمهندسين والبنائين في بلدك 
إني أدعو لك يا أبي مطلع كل فجر 
وأنشر أخبارك في كل نادي على مستوى الوطن 
أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفقني 
لكي أسطر أعمالك الصالحات
بين دفتي كتاب تقرؤه الأجيال.
السلام عليك يا أحب الناس 
بعد محبتي لله ولرسوله
حامد البشير المكي
23.04.09 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire