بسم الله الرمان الرحيم
وبه أستعين
أحببت أن يكون ما أبتدئ به مقالتي هذه
فى عمق قلبي هو بعض ما يجيش
من حب وتقدير
الفضل كل الفضل للرجل الذى كان له
بعد الله سبحانه وتعالى
في تنشئني وتربيتي وتكويني وتعليمي
على تحمل مسؤولياتي ومساعدتي
الأهلية والإجتماعية والمهنية
كان أبا حنونا
ورفيقا نصوحا
وشريكا صبورا
جعلني صديقا لأصدقائه
وأدخل أصدقائي في دائرة صداقته
وحول أبنائي رفقة آخر عمره
إلى روح أبي
هي إطلالة على طفولته التى بدأت
مع بداية القرن العشرين الميلادي
طفولة كان قدرها
أن تصادف دخول المغرب تحت سيطرة
القوة الإستعمارية الأجنبية
حيث سبقت هذا الإحتلالمرحلة عصيبة بالنسبة للمغاربة
كانت شبيهة بالحرب الأهلية
تظافرت فيها الفتن التى شردت ودمرت
بين أيدى عملاء الإستعماروجعلت البلاد نهبا
ففي هذه الظروف
كانت ولادة أبي
وكانت بداية حياته
حياة الرضيع الذى فقد أباه
في إحدى المعارك ضد السطو الأجنبي
إلى روح أبي
تغمده الله برحمته
ولدت يا أبي مع مطلع القرن العشرين الميلادي
يتيما من الأب
اضطرت أمك أن تغادر قرية المعامرة
التى عاشت فيها مع زوجها
وبنتها مباركة وابنها العسولي
وكنت وقتها جنينا في رحمها لم تولد بعد
وإذا بزوجك يغادر القرية فجأة
لينخرط في مقاومة جيش الإحتلال
فاضطرت أمك أن تغادر المعامرة
مخافة أن يمسها وأبناءها مكروه
فلجأت إلى مسقط رأسها قرية اولاد ناصر
حيث يوجد أهلها
نزلت في بيت أختها
وهناك وضعتك
وساعدتها خالتك في إرضاعك
وبقيت أمك هناك في ضيافة أختها
إلى حين قررت النزوح عن القرية
متجهة الى مدينة مراكش
برفقة أخيها الأصغر ابراهيم
نزحت بدافع البحث عن أبيك
فأخبرتها عمتك بأن أباك المكي اعتقل
في معركة سيدي أبي عثمان
ونقل جريحا إلى سجن مصباح
وبعد مدة قضاها في السجن
استطاعت عمتك أن تفك أسره
مقابل فدية سلمتها الى أعوان باشا المدينة آنذاك
ثم نقلته إلى مسقط رأسه بطلب منه
في ظروف صحية سيئة
إثر الجروح التي تكبدها خلال المعركة
وما أن وصل إلى قرية المعامرة
حتى توفته المنية
وعلى ضوء هذا الواقع قررت أمك أن تستقر بمراكش
لعلها تجد عملا ما يساعدها على الكسب الحلال
أعانتها عمتك على إيجاد بيت جد متواضع
وأرشدتها إلى سوق الغزالين
فانطلقت تغزل وتبيع
وتشتري الصوف لتغزل وتغزل
لكى توفر ما يمكنها من العيش الكريم
رجع أخوها ابراهيم الى قريته بعد أن اطمأن على حالها
كانت أختك مباركة تساعد أمها على الفزل وأعباء البيت
أدخلت أمك ابنها الأكبر إلى الكتاب ليتعلم القرءان الكريم
آملة أن يتابع دراسته إلى أعلى مستوى في العلوم الشرعية
لكن قساوة العيش لم تترك لها خيارا لتلحقك بأخيك
لتتعلم أنت أيضا في الكتاب ثم المدرسة الشرعية
اضطرت أن تدفع بك داخل سوق العمل
وأنت لم تتجاوز السادسة من عمرك
وقتها قالت لك أمك:
"إني أرجو الله أن يحقق أملي في أخيك
فيتخرج فقيها ويرزقنا الله اليسر والسعة
وأنا أريد منك أنت أن تساعدني على مادية الحياة"
وهكذا يا أبتي دخلت منذ نعومة أظافرك إلى معترك الحياة
حيث انتقلت من حرفة إلى أخرى داخل السوق التقليدي
توفي أخوك رحمه الله وهو صغير السن
وتزوجت أختك بقريب لأمك
وبعدها توفيت أمك
وقد أخبرتني
أنك أنت الذي حفرت قبرها ووضعتها فيه
كنت تحدثني عن جدتي بفخر وإباء:
"اسمع يا ولدي كانت جدتك
امرأة قروية شجاعة
فقد هاجرت قريتها ليلا مشيا على الأقدام
مسافة خمسين كيلو برفقة اختي مباركة وأخي العسولي
الذى لا يتعدى عمره ثلاث سنوات آنذاك
وكنت أنا ثالثهما لكن جنينا في بطن أمي
جدتك يا ولدي كانت صامدة صبورة
حيث كانت تغزل الصوف
ستة عشر ساعة في اليوم بدون كلل ولا ملل
وكانت كريمة إذ كانت تحسن
إلى الفقراء والمساكين رغم وضعها المادي المتدني
وكانت طموحة إذ كانت تتمنى أن يكون ابنها الأكبر
عالما فقيها يحظى بمركز مرموق في المدينة"
أنت أيضا يا أبتي كنت شجاعا في تقلبك عبر الحرف والمهن
تبحث عن مهنة ترتاح إليها وتحبها
وتبدع من خلالها وتعبر عن ذاتك
فأصبحت بعد كد مضني واجتهاد طويل من أكبر العباقرة
في المعمار التقليدي العربي الإسلامي
بل ومرجعا للمهندسين والبنائين في بلدك
إني أدعو لك يا أبي مطلع كل فجر
وأنشر أخبارك في كل نادي على مستوى الوطن
أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفقني
لكي أسطر أعمالك الصالحات
بين دفتي كتاب تقرؤه الأجيال.
السلام عليك يا أحب الناس
بعد محبتي لله ولرسوله
حامد البشير المكي
23.04.09