lundi 21 août 2017

تأملات في صنع القرار واتخاذه 2

تأملات فى صنع القرار واتخاذه
الورقة الثانية

القرار بين النظرية والتطبيق
أولا: القرار لغة واصطلاحا
جاء فى المحكم والمحيط الأعظم, لإبن سيده المرسي:
° قر بالمكان يقر (بفتح العين وكسرها) قرارا
° وقرره وأقره فى مكانه فاستقر
° والقرارة والقرار ما قر فيه الماء
° وصار الأمر الى قراره ومستقره: تناهى وثبت
° وقرت ( العين) تقر قرة ( بفتح القاف وضمها) معناه بردت,
وانقطع بكاؤها واستحرارها بالدمع,
وقيل هو من القرار, أى رأت ما كانت متشوفة اليه فقرت ونامت
° وقرتها ( بضم القاف) ما قرت به
° والإقترارتتبع ما فى بطن الوادى من باقى الرطب
° والإقرار إذعان للحق
° وطوى الثوب على قره كقولك على غره,
والذى نعتبره هنا كمفهوم لغوي 
هو صار الأمر الى قراره ومستقره فتناهى وثبت.
 بصفة عامة يفهم القرار على انه تحديد ما يجب فعله,
أو اتخاذ موقف فى قضية ما, أو القدرة على الحسم.
ومن المنظور الإجتماعي النفساني, 
لا يمكن فصل القرارعن صنعه من قبل, 
وعن تنفيذه من بعد.
ويجب التنبيه على أن العقل البشري 
يختلف تماما عن العقل الآلي.
إذ أن هذا الأخير يخضع إلى قوة المنطق 
التى حددت برمجته,
ولكن الإنسان, 
هذا المخلوق الذى كرمه الله سبحانه وتعالى,
لا تخضع أقواله وأفعاله عادة لأى منطق 
مهما كانت قوة حبكته وبراعة تشبيكه.
فالإنسان يتصرف بذاتية أكثر مما يتصرف بموضوعية.
وليس معنى هذا أن تصرفاته تحركها الفوضى واللامبالاة,
إلا عند بعض الأشخاص الذين لا يستطيعون التمييز 
بين الصواب والخطأ, و بين النافع والضار,
وهؤلاء لا يشكلون إلا قلة فى المجتمع البشري.
عندما يكون الإنسان أمام مشكلة ما تعترض طريقه, 
أو أمر ما يشغل باله,
ويكون مضطرا لإيجاد حل لهذه المشكلة, 
أو مسلك لهذا الأمر,
فإنه يطرح عدة بدائل, ربما ثلاثة أو أكثر,
ويختار بعد تأن وروية البديل الأنجع 
الذى يساعده على إحراز أفضل نتيجة,
تعزز مكانته وتقوى موقفه.
وعلى هذا الأساس إذا يمكن 
تعريف القرار اصطلاحا كالتالي:
القرار هو العملية التى يقوم بها الإنسان, 
فردا أو جماعة,
لإخراج عدة بدائل, 
يختار منها الأفضل, 
وذلك لحل مشكلة تعترضه فى حياته.
ومن المقدمات والممهدات لصنع القرار الأمور التالية:
* أولا الوعى الكافى بأن كل مشكلة 
صغيرة أو كبيرة, بسيطة أو معقدة,
لها بالضرورة ارتباط إما مع حركة الذات, 
وإما مع مخاض المحيط,
وإما مع التفاعل بين الذات والمحيط, 
هذا التفاعل الذى هو فى الحقيقة حركية الحياة.
لذا يجب معرفة الذات أولا من حيث آمالها وآلامها,
وكيف تعتبر ماضيها وتستبصر حاضرها وتستشرف مستقبلها,
وهل لها إرادة صلبة لتغيير وجهتها إذا اقتضى الأمر ذلك,
وهل أعدت العدة للمواجهة والصمود أمام كل التحديات.
* ثانيا معرفة المحيط الذى تسبح فيه الذات, 
هذا المحيط المتعدد الأبعاد,
أبعاده الطبيعية التى سخرها الله للإنسان:
" هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا 
ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات"
وأبعاده الإجتماعية, سلما وحربا, وبناء وهدما,
وأبعاده الغيبية التى أقصاها الغرب من حساباته, 
وثمن هذا الإقصاء هو انعدام السكينة والطمأنينة:
" ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا 
ونحشره يوم القيامة أعمى".
  ثالثا وأخيرا استيعاب العلاقة المتعددة الخيوط 
التى تربط الذات بالمحيط,
وهل هذه العلاقة علاقة تفاهم وتناغم, 
أم هى علاقة تنازع وتصادم.
إن هذه المقدمات والممهدات هى بمثابة القاعدة الصلبة 
التى يبنى عليها صنع القرار.
وعملية صنع القرار تتعدد أساليبها وطرقها,
إلا أنها تخضع لنفس المنهجية التى يمكن اختصارها فى ما يلي:
* تحديد المشكلة الطارئة وضبطها مجالا وحدودا, 
وفهمها سعة وعمقا,
وتحديد مصدرها هل هو نابع من الذات 
أم هو صادرعن جهة ما من جهات المحيط,
ومعرفة مدى قوة تأثيرها على الذات, 
وهل حدتها تصاعدية أم تنازلية مع الزمن.
* البحث عن مجموعة من البدائل 
تعمل كل واحدة على حدة على محاصرة المشكلة,
ومنعها من التفاقم, بل والعمل على إزالة آثارها نهائيا.
* اختيار البديل الأفضل والأنجع 
الذى يتميز بقوة الحسم فى إزالة آثار المشكلة,
بأقل تكلفة مادية ومعنوية, 
وفى أقل مدة زمنية من حيث الإنجاز,
وبأكبر نسبة من اليقين لإنجاح العملية 
فى ظروف السلامة والأمان.
تحتاج عملية صنع القرار هذه 
إلى مراجعة المعطيات والمعلومات
التي استعملت كمدخلات للوصول إلى المخرجات 
التى هى بالطبع البدائل السالفة الذكر.
كما تخضع كذلك إلى تغذيتها بمعطيات جديدة 
ومعلومات طرية كلما سنحت الفرصة بذلك.
فتحيين المدخلات له أهمية قصوى 
سيما إذا كان الأمر يتعلق بمشكلة ذات خطورة كبيرة.
تبقى الإشارة إلى أنه إذا كان عامل الموضوعية 
هو الفاعل القوى فى صنع القرار,
فإن عامل الذاتية هو الأقوى عند اتخاذ القرار, 
لأن صاحب القرار تقع عليه كل تبعات
اختياره للبديل, 
فإذا كان النجاح حليفه فله التنويه,
وإذا كان الفشل نزيله فله التوبيخ 
بل ربما يواجه ما هو أدهى وأمر.
وعلى أساس ما سبق, 
يجب على صانع القرار أن يأخذ بعين الإعتبار
أن القرار يرتكز على أركان ثلاثة:
أولا المرجعية التى يحملها صاحب القرار معه 
منذ ولادته حتى لحظة اتخاذ القرار,
وهذه المرجعية تتكون من عوامل ذاتية أكثر منها موضوعية.
فمن مكونات هذه المرجعية التصور للألوهية والكون والإنسان والحياة,
هذا التصور الذى يترجم إلى معتقدات وتقاليد وعادات,
إلى هوية تربط وجدانه بأرض وقوم ولغة وثقافة, وتاريخ,
وإلى انتماء يربط مصالحه بفئة أو حزب أو طائفة أو نظام.
ثانيا التصور للواقع الذى أفرز المشكلة, 
وهل هذا الواقع يتعلق بذات صاحب القرار
لا يتعداها إلى ما سواه, 
مثل البحث عن سكن, أو عمل, أو...
أو أن المشكلة أوسع من هذا وأخطر 
وتتعلق مثلا بقومه ووطنه, و...
ثالثا الأهداف التى يراد تحقيقها إثر اتخاذ القرار.
ويجب الإنتباه أن الأركان المشار إليها أعلاه 
لها تأثر وتأثير بعضها ببعض.
كما أن لها كذلك تأثر وتأثير على القرار نفسه.
وأخيرا تجدر الإشارة أنه إذا كان صنع القرار 
يحتاج إلى الكفائة العلمية, والخبرة الفنية,
فإتخاذ القرار يحتاج إلى الإرادة الصلبة والحكمة ونكران الذات.
حامد البشير المكي
 مارس 2011

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire