الكلب والخادمة
خلال السنوات الأولى لعقد السيعينيات
كنت أعمل فى مديرية هندسة المياه
كنت أغادر البيت عند الصباح الباكر
إذ كانت هذه عادتي حتى فى أيام العطلة
وذات صباح من فصل الشتاء
كانت السماء مليئة بالغيوم الماطرة
وقطرات المطر تنزل باردة كالصقيع
خرجت من بيتي وركبت سيارتي قاصدا مكتبي
وأنا فى الطريق لمحت إمرأة تمشي على الرصيف
يجرها كلب بواسطة سلسلة
درعها ما يفوق المتر
اثار انتباهي حالة هذه المرأة
التى يبدو عليها جليا البؤس
مقابل البدخ الذى يظهر على الكلب
فكانت هذه الزفرة
من زفرات التدمر والإستنكار
الكلب والخادمة
رأيته يمشي
مشية الأغنياء
في كبرياء
يمشي... كلب يمشي
وامرأة فقيرة تتعثر
في جلباب قديم تتستر
يشدها رسن إلى الكلب
وتهتز يدها من الرعب
يمشي وحول عنقه قلادة
وفي عينيه بريق السعادة
تمشي وعلى وجنتيها غبار اليأس
وحول عينيها صدأ البؤس
خطاه تابثة كخطا السيد
خطاها مبعثرة تبعثر العبد
فيا لبشاعة الزمان
أصبح الكلب سيد الإنسان
سألتها من أنت قالت فاطمة
ماذا تعملين قالت خادمة
قلت ألا تخبريني عن أمرك
افصحي لي عن سرك
قالت والدمع تذرفه العين
بصوت جريح يغمره الحزن
زوجي لم يجد العمل
لا في قريتنا ولا في المدينة
حتى فقد الأمل
فتعاطى لبنت القنينة
فغاب عن البيت
والبيت خلو من الخبز
ومن الزيت
إلا من الفقر والعوز
فخفت عن الأبناء
من لسعة الأمعاء
فبحث عن شغل أي شغل
في أى وقت حتى بالليل
وبعد أيام وأيام
اشتغلت عند مدام
جاين ألنبي
صاحبة الكلب
أنظف العمارة
ورهن الإشارة
لكلبها السعيد
وابنها الوحيد
نجوت من لسعة الجوع المرير
لكنني أشعر بالشقاء
فلا أتحمل البقاء
في هذا الوضع الحقير
حامد البشير
فبراير سنة 1973
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire