علمتني الحياة
للشاعر الكبير محمد مصطفى حمام
وهى من روائع شعر الحكمة
ولقد أفرغ فيها الشاعر زبدة تجاربه طيلة حياته
فهو راض بالقضاء والقدر
وهو ﻻ يحمل غلا في قلبه
وهو يبين أن رضاه من نعمة الله
وليس هوانا وﻻ نفاقا
وهو يرى أن الناس ﻻ كل الناس
هم عبيد الجاه والمال
وعبيد الشهوات
فمصطفى حمام رحمه الله بهذه القصيدة الفذة
يلتقى مع روح الحديث النبوي التالي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن أمام الدجال سنون خداعات,
يكذب فيها الصادق, ويصدق فيها
الكذوب,
ويخون فيها اﻷمين, ويؤتمن فيها الخائن,
ويتكلم الرويبضة,
قيل: وما الرويبضة؟
قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة"
حامد البشير المكي
000
عـلَّـمـتـنـي الحياةُ أن أتلقّى كـلَّ ألـوانـهـا رضـاً وقبولا
ورأيـتُ الـرِّضـا يـخفِّف أثقالـي ويُـلقي على المآسي سُدولا
والـذي أُلـهـم الـرِّضا لا تراهُ أبـدَ الـدهـر حـاسداً أو عَذولا
أنـا راضٍ بـكـل مـا كتب الله ومُـزْجٍ إلـيـه حَـمْـداً جَزيلا
أنـا راضٍ بـكل صِنفٍ من الناسِ لـئـيـمـاً ألـفيتُه أو نبيلا
لـسـتُ أخـشـى من اللئيم أذاه لا، ولـن أسـألَ الـنـبيلَ فتيلا
فـسـح الله فـي فـؤادي فلا أرضـى مـن الحبِّ والوداد بديلا
فـي فـؤادي لـكل ضيف مكان فـكُـنِ الـضيفَ مؤنساً أوثقيلا
ضلَّ من يحسب الرضا عن هَوان أو يـراه عـلـى الـنِّفاق دليلا
فـالـرضا نعمةٌ من الله لم يســعـد بـهـا في العباد إلا القليلا
والـرضـا آيـةُ البراءة والإيــمـان بالله نـاصـراً ووكـيلا
عـلـمـتني الحياةُ أنَّ لها طعــمَـيـن، مُـراً، وسائغاً معسولا
فـتـعـوَّدتُ حـالَـتَـيْها قريراًوألـفـتُ الـتـغـيير والتبديلا
أيـهـا الـناس كلُّنا شاربُ الكأسَـيـن إنْ عـلقماً وإنْ سلسبيلا
نـحـن كالرّوض نُضْرة وذُبولا نـحـن كـالـنَّجم مَطلعَاً وأُفولا
نـحـن كـالـريح ثورة وسكوناً نـحـن كالمُزن مُمسكاً وهطولا
نـحـن كـالـظنِّ صادقاً وكذوباً نـحـن كـالحظِّ منصفاً وخذولا
قـد تـسـرِّي الحياةُ عني فتبدي سـخـريـاتِ الورى قَبيلاً قَبيلا
فـأراهـا مـواعـظـاً ودروساً ويـراهـا سـواي خَـطْباً جليلا
أمـعـن الناس في مخادعة النّفــسِ وضـلُّـوا بصائراً وعقولا
عـبـدوا الـجاه والنُّضار وعَيناً مـن عـيـون المَهَا وخدّاً أسيلا
الأديـب الـضـعيف جاهاً ومالاً لـيـس إلا مـثـرثـراً مخبولا
والـعـتـلُّ الـقويُّ جاهاً ومالاً هـو أهـدى هُـدَى وأقـومُ قيلا
وإذا غـادة تـجـلّـت عـليهم خـشـعـوا أو تـبـتّلوا تبتيلا
وتَـلـوا سـورة الـهـيام وغنّوهـا وعـافـوا القرآن والإنجيلا
لا يـريـدون آجلاً من ثواب الله إنَّ الإنـسـان كـان عـجـولا
فـتـنـة عـمّـت المدينة والقريـةَ لـم تَـعْـفِ فتية أو كهولا
وإذا مـا انـبـريتَ للوعظ قالوا لـسـتَ ربـاً ولا بُعثتَ رسولا
أرأيـت الـذي يـكـذِّب بـالديـن ولا يـرهب الحساب الثقيلا
أكـثـرُ الناس يحكمون على الناس وهـيـهات أن يكونوا عدولا
فـلـكـم لـقَّـبوا البخيل كريماً ولـكـم لـقَّـبـوا الكريم بخيلا
ولـكـم أعـطَـوا الملحَّ فأغنَوا ولـكـم أهملوا العفيفَ الخجولا
رب عذراء حرة وصموها وبغي قد صوروها بتولا
وقطيع اليدين ظلما ولص أشبع الناس كفه تقبيلا
وسجين صبواعليه نكالا وسجين مدلل تدليلا
جل من قلد الفرنجة منا قد أسأ التقبيد والتمثيلا
فـأخـذنـا الخبيث منهم ولم نقـسِ مـن الـطـيّبات إلا قليلا
يـوم سـنَّ الـفرنج كذبةَ إبريــلَ غـدا كـل عُـمْـرنا إبريلا
نـشـروا الرجس مجملاً فنشرناهُ كـتـابـاً مـفـصَّلاً تفصيلا
عـلـمتني الحياة أنَّ الهوى سَيْــلٌ فـمـن ذا الذي يردُّ السيولا
ثـم قالت: والخير في الكون باقٍ بـل أرى الخيرَ فيه أصلاً أصيلا
إنْ تـرَ الـشـرَ مستفيضاً فهوِّن لا يـحـبُّ الله الـيئوس الملولا
ويـطول الصراع بين النقيضَيــنِ ويَـطوي الزمانُ جيلاً فجيلا
وتـظـلُّ الأيـام تعرض لونَيْـهـا عـلى الناس بُكرةً وأصيلا
فـذلـيـلٌ بالأمس صار عزيزاًوعـزيـزٌ بـالأمس صار ذليلا
ولـقـد يـنـهض العليلُ سليماً لـقـد يـسـقـطُ السليمُ عليلا
ربَّ جَوعانَ يشتهي فسحة العمــرِ وشـبـعانَ يستحثُّ الرحيلا
وتـظـلُّ الأرحـامُ تـدفع قابيـلاً فـيُـردي بـبـغـيـه هابيلا
ونـشـيـد الـسـلام يتلوه سفّاحـون سَـنُّوا الخراب والتقتيلا
وحـقـوق الإنـسان لوحة رسّامٍ أجـاد الـتـزويـر والتضليلا
صـورٌ مـا سرحتُ بالعين فيها وبـفـكـري إلا خشيتُ الذهولا
قال صحبي: نراك تشكو جروحاً أيـن لـحن الرضا رخيماً جميلا
قـلـت أما جروح نفسي فقد عوَّدْتُـهـا بَـلـسَـمَ الرضا لتزولا
غيرَ أنَّ السكوتَ عن جرح قومي لـيـس إلا الـتقاعسَ المرذولا
لـسـتُ أرضـى لأمـة أنبتتني خُـلُـقـاً شـائـهاً وقَدْراً ضئيلا
لـسـتُ أرضى تحاسداً أو شقاقاً لـسـتُ أرضى تخاذلاً أو خمولا
أنـا أبـغي لها الكرامة والمجــدَ وسـيـفـاً على العدا مسلولا
عـلـمـتني الحياة أني إن عشــتُ لـنفسي أعِشْ حقيراً هزيلا
عـلـمـتـنـي الحياةُ أنيَ مهما أتـعـلَّـمْ فـلا أزالُ جَهوﻻ
منقول
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire